علم يهتم بدراسة العقيدة الإسلامية ويدافع عنها ، ويرد الشبهات التي تثار حولها بالأدلة العقلية والبراهين الجدلية ، مستحدثا في ذلك مصطلحات استمدها من الفلسفة وطرقاً استنبطها منها .
وسُمي هذا العلم علم الكلام ـ كما يقول الشهرستاتي ـ لسببين :
* أولهما أن أخطر مسألة خاض فيها المتكلمون هي مسألة كلام الله التي تجاوز الأمر فيها حدّ المناظرة وتبادل الرأي إلى الفتنة والقتل والسجن ، كما هو معروف في فتنة خلق القرآن ومواقف رجال كالإمام أحمد ابن حنبل منها .
* ثانيهما سبب منهجي يتمثل في أن المتكلمين أرادوا أن يميزوا مناهج أبحاثهم عن المنطق الذي تبناه الفلاسفة واستخدموه في مباحثهم الفلسفية . فسمَّى المتكلمون طريقتهم في البحث الكلام . وهناك أسباب أخرى تتضمن ذمًا لعلم الكلام أو اتهامًا للمشتغلين به . منها ما ورد عن مالك بن أنس ، رضي الله عنه ، من ذم لأهل البدع لأنهم خاضوا وتكلموا فيما لا ينبغي لهم الخوض أو التكلم فيه ، وبالإضافة إلى الكلام فقد سمي هذا العلم باسم الفقه الأكبر ، وعلم أصول الدين وعلم التوحيد والصفات وعلم النظر والاستدلال .
أسباب نشأة علم الكلام : هناك عدة أسباب قدمت لتفسير ظهور علم الكلام منها :
1- خطأ المتكلمين في فهم بعض آيات القرآن الكريم التي تتناول قضايا العقيدة . فقد وردت آيات تصف الله تعالى بصفات معينة ، كالسمع والبصر والكلام والاستواء والنزول إلى السماء الدنيا ـ وآيات تنزهه سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقات .
2- التقاء المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى نتيجة للفتح الإسلامي ، ووقوفهم على ديانات وحضارات الأمم المفتوحة . ودخل كثير من أصحاب تلك الديانات والحضارات في الإسلام ، فدخل الإسلام طوائفُ من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ، وفي أذهانهم كثير مما في هذه الأديان من مشكلات . فكان من الطبيعي أن يفكروا في الحقائق الإسلامية في ضوء اعتقاداتهم القديمة ، ومن ثم أثاروا بين المسلمين ما كان يثار في دياناتهم من مشكلات كالكلام في الجبر والاختيار والصفات ، وغير ذلك من المشكلات . كما كانت هناك جماعات دخلت في الإسلام ظاهرًا ، وحاولت إثارة بعض المشكلات من أجل فتنة المسلمين .
ونتيجة لهذه العوامل أثيرت بعض المشكلات العقدية ، ودار جدال حول ذات الله تعالى وصفاته وقدرة الإنسان وارتباطها بمشيئة الله وإرادته ، وعن الإيمان والكفر إلى غير ذلك من القضايا . وورد في كتب الفِرَق العديد منها ، حيث تبنت رأيًا أو آخر حول قضية من هذه القضايا ، كالمرجئة والقدرية والجبرية والجهمية والمعطلة والمجسمة ، ثم المعتزلة والأشاعرة والماترِيديَّة ، وعرفت هذه الفرق بالفرق الكلامية ، وعُرف ما خاضت فيه بعلم الكلام .
علم الكلام والفلسفة : تهدف الفلسفة ـ كما يقول دارسوها ـ إلى الكشف عن الحقيقة ، وتحدد مجال بحثها بمبادئ الوجود وعلله والكون والإنسان من غير تقيُّد بمسلَّمات معينة ، بينما يهدف علم الكلام إلى تأييد العقائد الدينية بالحجج العقلية والدفاع عنها والرد على مخالفيها . وخلافا للفلسفة ، ينبني علم الكلام على أسس يضعها الدين ويقرها الشرع . ومن هنا نجد اختلافاً بين منهج الفيلسوف ومنهج المتكلم . فالفيلسوف يبدأ من مبادئ المنطق الأساسية والمقدمات البدهية وفقاً لمنهجه ، ويتدرج منها إلى النتائج مستخدمًا منهجًا عقليًا صرفاً . في حين أن المتكلم ينطلق من مسلَّمات معينة جاء بها الدين عن الله تعالى وصفاته وصلة الله عز وجل بهذا الكون والإنسان وفقاً لما جاء به الشرع الموحى به .
وفي إطار الفكر الإسلامي نجد في البداية تمايزًا بين الفلسفة والكلام ، وعلاقة عداء وخصام بين الفلاسفة والمتكلمين؛ بلغت أوجها لدى أبي حامد الغزالي (505هـ) الذي هاجم الفلسفة من منطلق كلامي في كتابه تهافت الفلاسفة ، وكفَّر الفلاسفة لقولهم بقِدم العالم ، وعدم علم الله بالجزئيات ، وإنكارهم البعث الجسماني .
ورغم هذا العداء فقد كان هناك نوع من التقارب بين الفلسفة والكلام ، إذ حاول المتكلمون الاستفادة من أسلحة خصومهم والاطلاع على مناهج الفلسفة ومصطلحاتها ، وقد كان ذلك بطريقة غير مباشرة لدى المعتزلة ، ثم ظهر بوضوح لدى الجويني والغزالي ، وبلغ مداه على يد فخر الدين الرازي ، ثم توغل المتكلمون في الفلسفة وعلومها حتى اختلط عليهم كثير من الموضوعات والتبست مسائل الكلام بحيث لم يعد في الإمكان التمييز بين علم الكلام والفلسفة ، بل يمكن القول بأن الفلسفة اختلطت بالكلام إلى الحد الذي ابتلع فيه علمُ الكلام الفلسفة ابتلاعاً ، واحتواها في كتبه ، كما يظهر في كتب المتأخرين مثل كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي الذي يبدأ بمقدمات في المنطق الأرسطي على طريقة الفلاسفة ويبسط آراء الفلاسفة في الطبيعيات والرياضيات ، وأخيرا يتناول قضايا العقيدة واضعاً في الاعتبار آراء الفلاسفة ومصطلحاتهم .