بلال بن رباح رضي الله عنه
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
1- *** بلال بن رباح المؤذن يكنى أبا عبد الله ، وقيل : أبا عبد الكريم ، وقيل : أبا عبد الرحمن ، وقال بعضهم يكنى : أبا عمرو .
وهو مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، اشتراه بخمس أواق ، وقيل بسبع أواق ، وقيل بتسع أواق ، وقيل اشتراه بعبد مكانه ، أعطاه أمية بن خلف مقابل بلال ، ثم أعتقه ، وكان له خازناً ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً ، شهد بدراً ، وأحداً ، وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- *** وكان أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمار وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد وقيل : خباب .
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب .
وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه .
وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدرع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم إنسان إلا وقد أتاهم على ما أرادوا ، إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحد أحد .
3- *** وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة بمكة المكرمة ، واشتد حرها ، وعظم لهبها ، فيطرحه على ظهره ، ثم يأمر بصخرة عظيمة ، فتوضع على صدره ثم يقول له : " لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى " ، وبلال في ذلك البلاء والكرب الشديد يقول : " أحد ، أحد " .
وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب .
قال سعيد بن المسيب : كان بلال شحيحاً على دينه ، وكان يعذب على دينه ، فإذا أراد المشركون أن يوافقه على كفرهم قال : الله ، الله .
4- *** أين نحن من بلال ، بلال يتعرض للعذاب والقتل حتى يترك الإسلام ، وله في ذلك دليل من كتاب الله لكنه يصبر على الأذى والعذاب في سبيل الله تعالى ، نعم يتقرب إلى الله بالصبر على العذاب ، ولا يترك دينه .
ومنا اليوم من يفسد ويفسق ويفعل المعاصي ، ويقترف الإثم ، ويأتي الذنوب ، وهو يتنعم بنعم الله عليه ، فشتان بين الاثنين .
الرعيل الأول يتقربون إلى الله بفعل الطاعات ، والخير والبر والقربات ، ومنا اليوم من يتقرب إلى الله بالمعاصي ، لأنه واقع فيها لا محالة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
5- *** وتمضي الأيام ويعتقد بلال ، ويهاجر إلى المدينة ، ويخرج مع المسلمين إلى غزوة بدر ، ويرى من بين جموع المشركين أمية ابن خلف ، فيهتف بلال قائلاً : " لا نجوت إن نجا " ، ويهجم عليه هجوم الأسد الجريح المنتقم ، ويمكنه الله منه ، فيقتله بيده التي كان يوثقها أمية ، ويهتف المسلمون ببدر : " أحد ، أحد " .
فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبياتاً :
هنيئاً زادك الرحمن خيراً ... فقد أدركت ثأرك يا بلال .
6- *** عن جابر بن عبد الله أن عمر رضي الله عنه كان يقول : أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا ، يعني بلالاً .
7- *** ونزل في بلال وغيره قوله تعالى : " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " ، كان يقول أبو جهل : أين بلال أين فلان كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار فلا نراهم في النار أم هم في مكان لا نراهم فيه أم هم في النار لا نرى مكانهم ؟
8- *** وكان بلال إذا فرغ من الأذان فأراد أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أذن ، وقف على الباب وقال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة يا رسول الله .
فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآه بلال ابتدأ في الإقامة .
9- *** وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة مؤذنين :
بلال بن رباح ، وابن أم مكتوم [ بالمدينة ] ، وسعد القرظ [ بقباء ] ، وأبو محذورة [ بمكة ] .
10- *** حكم وصفات الأذان :
أولاً : حكم الأذان والإقامة : أنهما فرض كفاية ، وهو ما يلزم جميع المسلمين إقامته ، فإذا قام به من يكفي ، سقط الإثم عن الباقين .
وهما مشروعان في حق الرجال حضراً وسفراً للصلوات الخمس ، وإن تركهما أهل بلد فإن على الإمام أن يقاتلهم ، لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة ، فلا يجوز تعطيلهما .
ثانياً : صفات الأذان :
إذا جاءت السنة بتنوع مشروع صحيح في ذكر معين ، فينبغي أن يؤتى بهذا مرة ، وهذا مرة ، والفائدة من ذلك ، أن السنن لا تُنسى ، لأننا لو أهملنا إحدى الصفات ، نُسيت الأخريات .
ولهذا أكثر الناس اليوم لا يعرفون إلا أذان بلال رضي الله ، بينما يجهلون أذان وإقامة أبو محذورة وهو أذان مشهور عمل به الشافعي وغيره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فإذا اتبع الرجل المشروع المسنون ، واستعمل الأنواع المشروعة ، هذا تارة ، وهذا تارة ، كان ممن حفظ السنة علماً وعملاً " [ مجموع الفتاوى 24/250 ] .
وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع 2 / 45 : " كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ.
فعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع _ وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهراً _ .
وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة ، بالتكبير في أوَّله أربعاً مع الترجيع ، وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة ، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة ، وبهذا مرَّة كان أولى .
والقاعدة : " أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه " ، وتنويعها فيه فوائد :
أولاً : حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.
ثانياً : التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.
ثالثاً : حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.
رابعاً : العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها. فإذا علمنا هذا فإنه قد ثبت للأذان ثلاث صفات ، وللإقامة صفتان :
الصفة الأولى :
الأذان : خمس عشرة كلمة :
جاءت في حديث عبد الله بن زيد في الرؤيا التي رآها وهي :
الصفة المعروفة اليوم ، وعدد كلماتها ، خمس عشرة كلمة .
والإقامة : إحدى عشرة كلمة ، وهي الإقامة المعروفة اليوم ، وهي التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وفاته .
الصفة الثانية :
الأذان : تسع عشرة كلمة :
وهي مثل الأذان الأول ، مع ترجيع الشهادتين ، والترجيع : أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يذكرهما في نفسه ، ثم يعيدهما رافعاً بهما صوته .
والإقامة : سبع عشرة كلمة ، التكبير أربعاً ، وعدم الترجيع في الشهادتين .
الصفة الثالثة :
الأذان : سبع عشرة كلمة :
كالصفة الثانية ، لكن مع الاقتصار على تكبيرتين في أوله .
والإقامة : سبع عشرة كلمة ، كما سبق في الصفة الثانية .