كتبت رلى معوض:
دخلت المياه اللبنانية أخيراً سمكة قاتلة آتية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر الصين. وهي تدعى "النفيخ" أو سمكة Puffer، وتحت الماء تنفخ هذه السمكة وتصبح كالبالون إذا اقترب منها أحد وتمتلىء بالشوك. وقضمتها مؤذية، وهي معروفة بأسنانها الأربعة. ويعتقد أن حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط تغيرت وارتفع فأصبحت مياهه أدفأ، الأمر الذي جذب اليه هذا النوع من السمك، وقد تأقلم بسرعة مع بحرنا.
السيد وديع حداد عضو "الأكاديمية اللبنانية لذواقي الطعام" اختبر هذه السمكة التي تعرف باسم "الفوغو" في اليابان، وكادت أن تودي بحياته مع زميل له بسبب الإختناق.
من سريره في مستشفى سيدة لبنان في جونيه، أخبرنا مغامرته مع هذه السمكة محذراً الصيادين من خطورتها. "الأربعاء الماضي كنت في طرابلس، ونحن في الأكاديمية ننظم لقاءات لنكتشف أماكن جديدة ونشجع الطعام الجيد، وخلال زيارة طرابلس وأماكن معينة فيها، منها سوق السمك، لمعرفة المواد الأولية ومصادرها كان بيع بالمزاد العلني للسمك الطازج وعلى طاولة أحد التجار الذي أعرفه شخصياً وأتعامل معه دائماً سمكة كبيرة وزنها 5،2 كيلوغرام لونها بني مرقط وشكلها ليس جميلاً. وقال لي أن إسمها "حمامة" لحمها أبيض وقصبتها جيدة. وإذا حظك جيد يكون فيها بطرخ". وأن في وسعي إستعمالها لكبة السمك، وتأكل مشوية مثل سمكة اللقز.
أخذت السمكة ووضعتها في البراد. ولم أدفع ثمنها لأن البائع طلب مني أن اُجربها، وخصوصاً أن علاقتي به جيدة. وأنا أكيد أنه لم يغشني ولكنه لا يعرف على الأرجح ما هي هذه السمكة.
أخذت السمكة وصورتها قبل أن أطهوها ونظفتها وسحبت عظمة واحدة كالعمود الفقري من دون حسك وأخذت "الفيليه" وقطعتها. وضعتها في علب داخل الثلاجة وقلت لصديقي أن نتذوق القصبة، فأكلنا ما يزيد على 100 غرام مناصفة. وحضرت صلصة من الرأس والجلد وتذوقتها، فيما كنت أحضرها لوحدي، لكن صديقي لم يتذوقها. البطرخ نظفتها ورميت قطعه الصغيرة في الخارج للهررة التي بدأت بالمواء ولم تتناولها.
لم اشك في شيء. فأكلنا القصبة مقلية وبدأنا نشاهد التلفزيون، وبعد 20 دقيقة على الاكل شعرت بتنميل في الاصابع والشفة واللسان، فظننت ان ذلك سببه اني شربت كأسا من الفودكا وكذلك صديقي.
هنا انشغل بالي وفكرت بسمكة "الفوغو" اليابانية التي تقدم في مناطق خاصة ويتدرب الطهاة سبع سنوات ليحصلوا على شهادة لتقطيعها وطهوها وتقديمها. ورغم ذلك يسقط 50 ضحية سنويا لأكلهم "الفوغو".
دخلت فورا على الانترنت لأتعرف الى سمك يسمم في البحر الابيض المتوسط، فلم اجد اي سمكة. فانتقلت الى الاسماك الاستوائية المسممة، فلم اجد ما يشبه هذه السمكة وراح التنميل يزيد ويصعد من القدمين حتى الرأس وشعرت بما يشبه التسمم. فاتصلت بالطبيب قبل ان اسقط ارضا، ولم استطع التقيؤ لأن التسمم تغلغل في الاعصاب الخارجية و"كربج" العضل حتى عضلي التنفسي.
كنت شبه مغمى علي، ولم تتحسن حالتي رغم حقني بثلاث ابر "كورتيزون" فاتصل طبيبي بالصليب الاحمر ونقلت الى مستشفى سيدة لبنان في جونيه، وكان الفريق الطبي في انتظاري ولم يكن احد يعرف شيئا عن هذه السمكة بما فيه المركز اللبناني للتسمم.
كنت اتنفس بصعوبة وغرقت في شبه غيبوبة، فوضعت للحال على آلة للتنفس الاصطناعي وكنت في مرحلة تشبه الموت الدماغي لأن السم الموجود داخل السمكة هو من اقوى انواع السموم، يصيب الاعصاب الخارجية، لكنه لا يدخل الدماغ.
وبعد فحص لطبيب الاعصاب وجد ان الدماغ سليم وبدأ البحث عن طريقة اخراج السم من الجسم. فوضع الاطباء قسطلا لاعادة الانعاش ومن خلاله ادخلوا مواد لتنظيف السم وكانوا متأكدين ان الطريقة قد لا تكون فعالة.
بقيت في حال الخطر 12 ساعة وامضيت اسبوعاً في العناية الفائقة شبه فاقد الوعي.
وكان صديقي اوفر حظاً لأنه تقيأ ما اكله ولم ينظف السمكة ولم يشرب "زومها"، ولكنه بقي في المستشفى اربعة ايام فقط.
والسم هو التيترو دوتوكسين Tétrodotaxine موجود في التيتراودون Tétraodons ويعتبر من اخطر السموم.
حجيلي
في حديث مع طبيب العائلة الدكتور ميشال حجيلي الذي كان اول من نقل حداد الى المستشفى قال: "ان هذا السم موجود في الجلد والكبد والبطرخ والمصارين ورأس السمكة، وهناك طريقة معينة لتحضير هذه السمكة لأن لحمها غير سام ويؤكل في اليابان وكمية السم هذه قادرة على قتل الانسان بعنف وبسرعة".
واوضح ان هذا التسمم يؤدي الى شلل تام ويصل الى عضلات التنفس فيموت المريض من توقف هذه العضلات. وسم هذه السمكة اقوى 10 آلاف مرة من الزرنيخ ومن عوارضه التنميل في الشفاه ثم الاطراف، وشعور غريب كأن الشعر يطول فجأة، وهذا يؤدي بين 4 و6 ساعات الى شلل تام في كل عضلات الجسم. ويشعر المريض بشلل تصاعدي يبدأ بالقدمين ليصل الى الرأس والعينين ويتجمد حتى الجفنين وعضلات اللسان، مما يخلق نوعا من الاختناق. لكن هذا السم لا يصل الى الدماغ، بل يعزل العصب عن العضل فينقطع تحريك العضلات. وعضل القلب محمي ايضا من هذا السم لأنه يعمل بطريقة مختلفة عن سائر العضلات".
ما العمل في مثل هذه الحالة؟
- اهم شيء للحفاظ على حياة المريض وضعه على آلة للتنفس الاصطناعي بسرعة لأن الاختناق يحصل بين 4 و6 ساعات. ويمكن القول اننا انقذنا مريضنا بعد 12 ساعة وقد خدمه نقله سريعا الى اقرب مستشفى ووضع على آلة التنفس. وقد انتعش المريض باستعمال الوريد الاساسي لادخال كميات كبيرة من المصل فيه لأن عروق اليدين لا توصل كمية كبيرة من المصل. وهذه الطريقة للانعاش تستعمل في حالات أخرى كالنزف وغيره. وبقي المريض مدة 48 ساعة على التنفس الاصطناعي، ثم 24 ساعة على التنفس نصف الاصطناعي، ثم 24 ساعة بتنفس عادي. بعدها ازيل قسطل التنفس وتأكدنا من كمية الاوكسيجين الكافية لجسمه.
هل من علاجات خاصة؟
- لا علاجات خاصة والمهم مساعدة المريض على التنفس واعطائه علاجات لتنظيف جسمه من التسمم بواسطة المصل وزيادة كمية التبول. فقد استعنا بخبرة المركز الملكي للتسمم في تايلاند بواسطة شقيق المريض انطوان حداد الموجود هناك فأعطانا بعض المعلومات الاضافية المساعدة كعدم نقل المريض واستعمال مادة "المانيتول" والفحم؟
ووجه الدكتور حجيلي نداء الى الصيادين للتنبه لهذه السمكة الخطرة وعدم بيعها لأنها قاتلة.
دخلت المياه اللبنانية أخيراً سمكة قاتلة آتية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر الصين. وهي تدعى "النفيخ" أو سمكة Puffer، وتحت الماء تنفخ هذه السمكة وتصبح كالبالون إذا اقترب منها أحد وتمتلىء بالشوك. وقضمتها مؤذية، وهي معروفة بأسنانها الأربعة. ويعتقد أن حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط تغيرت وارتفع فأصبحت مياهه أدفأ، الأمر الذي جذب اليه هذا النوع من السمك، وقد تأقلم بسرعة مع بحرنا.
السيد وديع حداد عضو "الأكاديمية اللبنانية لذواقي الطعام" اختبر هذه السمكة التي تعرف باسم "الفوغو" في اليابان، وكادت أن تودي بحياته مع زميل له بسبب الإختناق.
من سريره في مستشفى سيدة لبنان في جونيه، أخبرنا مغامرته مع هذه السمكة محذراً الصيادين من خطورتها. "الأربعاء الماضي كنت في طرابلس، ونحن في الأكاديمية ننظم لقاءات لنكتشف أماكن جديدة ونشجع الطعام الجيد، وخلال زيارة طرابلس وأماكن معينة فيها، منها سوق السمك، لمعرفة المواد الأولية ومصادرها كان بيع بالمزاد العلني للسمك الطازج وعلى طاولة أحد التجار الذي أعرفه شخصياً وأتعامل معه دائماً سمكة كبيرة وزنها 5،2 كيلوغرام لونها بني مرقط وشكلها ليس جميلاً. وقال لي أن إسمها "حمامة" لحمها أبيض وقصبتها جيدة. وإذا حظك جيد يكون فيها بطرخ". وأن في وسعي إستعمالها لكبة السمك، وتأكل مشوية مثل سمكة اللقز.
أخذت السمكة ووضعتها في البراد. ولم أدفع ثمنها لأن البائع طلب مني أن اُجربها، وخصوصاً أن علاقتي به جيدة. وأنا أكيد أنه لم يغشني ولكنه لا يعرف على الأرجح ما هي هذه السمكة.
أخذت السمكة وصورتها قبل أن أطهوها ونظفتها وسحبت عظمة واحدة كالعمود الفقري من دون حسك وأخذت "الفيليه" وقطعتها. وضعتها في علب داخل الثلاجة وقلت لصديقي أن نتذوق القصبة، فأكلنا ما يزيد على 100 غرام مناصفة. وحضرت صلصة من الرأس والجلد وتذوقتها، فيما كنت أحضرها لوحدي، لكن صديقي لم يتذوقها. البطرخ نظفتها ورميت قطعه الصغيرة في الخارج للهررة التي بدأت بالمواء ولم تتناولها.
لم اشك في شيء. فأكلنا القصبة مقلية وبدأنا نشاهد التلفزيون، وبعد 20 دقيقة على الاكل شعرت بتنميل في الاصابع والشفة واللسان، فظننت ان ذلك سببه اني شربت كأسا من الفودكا وكذلك صديقي.
هنا انشغل بالي وفكرت بسمكة "الفوغو" اليابانية التي تقدم في مناطق خاصة ويتدرب الطهاة سبع سنوات ليحصلوا على شهادة لتقطيعها وطهوها وتقديمها. ورغم ذلك يسقط 50 ضحية سنويا لأكلهم "الفوغو".
دخلت فورا على الانترنت لأتعرف الى سمك يسمم في البحر الابيض المتوسط، فلم اجد اي سمكة. فانتقلت الى الاسماك الاستوائية المسممة، فلم اجد ما يشبه هذه السمكة وراح التنميل يزيد ويصعد من القدمين حتى الرأس وشعرت بما يشبه التسمم. فاتصلت بالطبيب قبل ان اسقط ارضا، ولم استطع التقيؤ لأن التسمم تغلغل في الاعصاب الخارجية و"كربج" العضل حتى عضلي التنفسي.
كنت شبه مغمى علي، ولم تتحسن حالتي رغم حقني بثلاث ابر "كورتيزون" فاتصل طبيبي بالصليب الاحمر ونقلت الى مستشفى سيدة لبنان في جونيه، وكان الفريق الطبي في انتظاري ولم يكن احد يعرف شيئا عن هذه السمكة بما فيه المركز اللبناني للتسمم.
كنت اتنفس بصعوبة وغرقت في شبه غيبوبة، فوضعت للحال على آلة للتنفس الاصطناعي وكنت في مرحلة تشبه الموت الدماغي لأن السم الموجود داخل السمكة هو من اقوى انواع السموم، يصيب الاعصاب الخارجية، لكنه لا يدخل الدماغ.
وبعد فحص لطبيب الاعصاب وجد ان الدماغ سليم وبدأ البحث عن طريقة اخراج السم من الجسم. فوضع الاطباء قسطلا لاعادة الانعاش ومن خلاله ادخلوا مواد لتنظيف السم وكانوا متأكدين ان الطريقة قد لا تكون فعالة.
بقيت في حال الخطر 12 ساعة وامضيت اسبوعاً في العناية الفائقة شبه فاقد الوعي.
وكان صديقي اوفر حظاً لأنه تقيأ ما اكله ولم ينظف السمكة ولم يشرب "زومها"، ولكنه بقي في المستشفى اربعة ايام فقط.
والسم هو التيترو دوتوكسين Tétrodotaxine موجود في التيتراودون Tétraodons ويعتبر من اخطر السموم.
حجيلي
في حديث مع طبيب العائلة الدكتور ميشال حجيلي الذي كان اول من نقل حداد الى المستشفى قال: "ان هذا السم موجود في الجلد والكبد والبطرخ والمصارين ورأس السمكة، وهناك طريقة معينة لتحضير هذه السمكة لأن لحمها غير سام ويؤكل في اليابان وكمية السم هذه قادرة على قتل الانسان بعنف وبسرعة".
واوضح ان هذا التسمم يؤدي الى شلل تام ويصل الى عضلات التنفس فيموت المريض من توقف هذه العضلات. وسم هذه السمكة اقوى 10 آلاف مرة من الزرنيخ ومن عوارضه التنميل في الشفاه ثم الاطراف، وشعور غريب كأن الشعر يطول فجأة، وهذا يؤدي بين 4 و6 ساعات الى شلل تام في كل عضلات الجسم. ويشعر المريض بشلل تصاعدي يبدأ بالقدمين ليصل الى الرأس والعينين ويتجمد حتى الجفنين وعضلات اللسان، مما يخلق نوعا من الاختناق. لكن هذا السم لا يصل الى الدماغ، بل يعزل العصب عن العضل فينقطع تحريك العضلات. وعضل القلب محمي ايضا من هذا السم لأنه يعمل بطريقة مختلفة عن سائر العضلات".
ما العمل في مثل هذه الحالة؟
- اهم شيء للحفاظ على حياة المريض وضعه على آلة للتنفس الاصطناعي بسرعة لأن الاختناق يحصل بين 4 و6 ساعات. ويمكن القول اننا انقذنا مريضنا بعد 12 ساعة وقد خدمه نقله سريعا الى اقرب مستشفى ووضع على آلة التنفس. وقد انتعش المريض باستعمال الوريد الاساسي لادخال كميات كبيرة من المصل فيه لأن عروق اليدين لا توصل كمية كبيرة من المصل. وهذه الطريقة للانعاش تستعمل في حالات أخرى كالنزف وغيره. وبقي المريض مدة 48 ساعة على التنفس الاصطناعي، ثم 24 ساعة على التنفس نصف الاصطناعي، ثم 24 ساعة بتنفس عادي. بعدها ازيل قسطل التنفس وتأكدنا من كمية الاوكسيجين الكافية لجسمه.
هل من علاجات خاصة؟
- لا علاجات خاصة والمهم مساعدة المريض على التنفس واعطائه علاجات لتنظيف جسمه من التسمم بواسطة المصل وزيادة كمية التبول. فقد استعنا بخبرة المركز الملكي للتسمم في تايلاند بواسطة شقيق المريض انطوان حداد الموجود هناك فأعطانا بعض المعلومات الاضافية المساعدة كعدم نقل المريض واستعمال مادة "المانيتول" والفحم؟
ووجه الدكتور حجيلي نداء الى الصيادين للتنبه لهذه السمكة الخطرة وعدم بيعها لأنها قاتلة.