"أمن الدولة" المصري يجهض إبداعًا فلسطينيًا |
القاهر : كان الطالب "المعتصم بالله" ينتظر اللحظة التي يتوج فيها شقاء سنوات دراسته بنجاح مشروعه الذي أخذ جل وقته وتفكيره، وبات هاجسه الوحيد أن يخدم من خلاله أبناء وطنه الذين يواجهون الحصار. لم يتبق لـ"المعتصم بالله علي نوح قاعود" سوى عام واحد ليغادر جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في مدينة 6 أكتوبر المصرية، حيث بلغ المستوى الخامس في تخصص الهندسة والاتصالات، قبل أن ينقض عليه رجال "أمن الدولة المصري" لتكون لحظة فارقة في حياته. وأفرج الأمن المصري عن قاعود قبل ثلاثة أيام بعد اعتقال دام أكثر من شهر ونصف بدعوى إقامته شبكة اتصالات دولية خاصة لتمرير الاتصالات الهاتفية إلى العديد من دول العالم دون المرور على الشبكة القومية المصرية والمس بالأمن القومي المصري. "اعتقلوني بعد وشاية من قبل أحد الشباب، والذي أوصل معلومات مغلوطة، استغلها رجال أمن الدولة ليلفقوا ضدي عدة تهم في مقدمتها تشكيل شبكة اتصالات غير خاضعة للمراقبة بهدف المس بالأمن القومي المصري". ويوضح قاعود (23 عاما) أن موظفي أمن الدولة حاولوا تضخيم المسألة من أجل المس بغزة وأبنائها وتصويرهم وكأنهم يحاولون المس بأمن الدول الأخرى، فتم نفخ الموضوع، رغم أن القضية ليست قضية أمن دولة أصلا". ويتابع "جاءوا لي بمهندسين وخبراء للتحقيق معي حول النظام الذي كنت أنفذه، وثبت لهم أن الأمر لا يمس أمن مصر ولا يهدف لشيء من هذا القبيل، لكنهم عاندوا وعملوا لي قضية، ووجهوا لي 5 تهم، كلها ملفقة". وأشار الطالب الفلسطيني إلى أن المشروع الذي كان بصدد إكماله هو مشروع حيوي مهم، كان من الممكن أن يشكل إنجازا اتصالاتيا، غير أن تصرف رجال أمن الدولة "الأهوج" حال دون إتمامه. ونبه إلى أن مشروعه كان من الممكن أن يسجل كـ"اختراع" لو كتبت له "الولادة الطبيعية"، لافتًا إلى أنه التقنية تنفذ عن طريق معدات بسيطة يحاكي نظام اتصال دولي يدعى sms callback عالي التكلفة ومعقد التركيب. ومن خلال هذا النظام يقوم المشترك بطلب رقم محدد له من قبل الشركة ثم يفصل الخط بعد رنة واحدة، فيقوم النظام بالاتصال بالمشترك على رقمه المسجل ويطلب منه إدخال الرقم الذي يرغب في الاتصال به في أي دولة حول العالم، ثم يتم توصيل المشترك بالرقم فوريًا وأوتوماتيكيًا. ويمكن تفعيل هذه الخدمة عن طريق إرسال رسالة نصية من هاتف خلوي العميل إلى الرقم المحدد له من قبل الشركة وبها رقمه ثم الرقم المستهدف ويقوم النظام بالاتصال بالرقم المطلوب وتحويل المكالمة فوريًا علي هاتف خلوي المشترك. واستدرك قاعود "قمت بالمشروع لغاية توفير شبكة اتصالات سهلة للتواصل بين الأهل في فلسطين وجمهورية مصر العربية، وبأسعار معقولة جدًا"، منوهًا إلى أن هذه الشبكة لن تكون خارج إطار المراقبة أو تمس بالأمن القومي للدولة بالشكل الذي صورته الأجهزة الأمنية هناك. ويعمل النظام الذي كان يؤسس له "المعتصم بالله" بحاسوب وجوالات ومواد بسيطة بتركيبة وطريقة جديدة، استخدم في تركيبه خبرته الكبيرة في مجال الاتصالات، والذي يوفر مكالمات دولية بوضوح عال جدا وبسعر زهيد. وبين أن العمل بهذا النظام –والذي قام به وحده دون مشاركة من أحد- كان يحتاج في مراحله الأولى إلى متابعة بشرية، تم تطويرها في النهاية إلى العمل بشكل أوتوماتيكي كامل دون تدخل من أحد. كان المعتصم يكبر في جامعته ويكبر معه حلمه بإتمام هذا المشروع، لكن الرياح لم تأت بما تشتهيه سفنه، ورغم الإفراج عنه وترحيله إلى غزة، إلا أن الأمل يحدوه أن يجد الطريق مجددا نحو النور ليكمل مشروعه. وأُنشِئ جهاز مباحث أمن الدولة بهدف "حماية الأمن المصري"، ومحاربة ما تسميه السلطات هناك "الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن القومي المصري". ويرشح العاملون في الجهاز للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية بالإضافة إلى أن ضباطه يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، بالإضافة لاستغلال بعض الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز لنفوذهم وسطوتهم في القيام بشتى أنواع الفساد. ويعد التعذيب أمر منهجي في عمل هذا الجهاز القمعي، وكل مكاتب أمن الدولة بها أماكن وأدوات للتعذيب ولا تخضع لأي تفتيش أو رقابة، وربما يصل التعذيب إلى حد القتل، حسب مصادر حقوقية مصرية. يذكر ان المئات من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة تم حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، واعتداءات جنسية وصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في جميع أنحاء الجسد ، والضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها. ويطالب ثوار 25 يناير هذه الأيام بإلغاء هذا الجهاز. وجرى الجمعة اقتحام مقر أمن الدولة بالإسكندرية بمبنى الفراعنة والعثور على وثائق ومستندات مفرومة ومحروقة. كما تم السبت اقتحام المقر الرئيس لمباحث أمن الدولة بمدينه نصر والعثور على وثائق ومستندات مفرومة ومحروقة، فيما يواصل الثوار محاصرة المزيد من مكاتب الجهاز في عدد من المحافظات. |