د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين وبعد .
فالصوم : هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ؛ قال
تعالى : "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
ثم أتموا الصيام إلى الليل"( البقرة187).
ومفطرات الصوم أنواع :
الأول : الأكل والشرب . وهو مفطر
بالإجماع للآية السابقة .
المفطر الثاني :
ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أولاً :
القطرة في الأنف ، التي يعلم أنها تصل إلى الحلق ، وهو مأخوذ من قوله صلى
الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " أخرجه مسلم من
حديث لقيط رضي الله عنه. فالحديث يفهم أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف
فقد أفطر .
ثانياً :
مما يدخل في معنى الأكل والشرب : المحاليل المغذية التي تصل إلى المعدة من
طريق الفم ، أو الأنف . و كذا الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب
فتأخذ حكمها ، ولذلك فإن المريض يبقى على المغذي أياماً دون أكل أو شرب ، و
لا يشعر بجوع أو عطش .
ثالثاً :
مما يدخل في معنى الأكل والشرب : حَقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية
الأكل والشرب فكان بمعناه .
المفطر الثالث :
الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .
المفطر الرابع :
إنزال المني باختياره بمباشرة ، أو استمناء ، ونحو ذلك ؛ لأنه من الشهوة التي
أمر الصائم أن يدعها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " يدع شهوته ، وأكله ، وشربه من أجلي " متفق عليه
.
ومعلوم أن من فعل ذل ذلك عامداً مختاراً ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها .
أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع .
المفطر الخامس :
التقيؤ عمداً ، وهو مفطر بالإجماع .
أما من غلبه القيء فلا شيء عليه . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن
استقاء فليقض " أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح ، وقال النووي في المجموع
(6/315) : " وإسناد أبي داود وغيرِه فيه إسناد الصحيح ". وصححه ابن تيمية في
حقيقة الصيام .
المفطر السادس :
خروج دم الحيض والنفاس ، وهو مفطر بالإجماع .
فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار فقد أفطرت ، أو كانت
حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر لم ينعقد صومها ، و تكون مفطرة ذلك اليوم .
ومن الأدلة على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم
تصل ولم تصم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
ثانياً : أمور ليست من المفطرات . وهي :
أولاً : خروج الدم من الإنسان ، غير
دم الحيض والنفاس ؛ كالتبرع بالدم ، أو إخراجه للتحليل ، أو خروجِه بسبب رعاف
أو جرح ، أو بالاستحاضة ، وغيرِ ذلك .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ،
ولا دليل .
أما قياس خروج الدم للتبرع والتحليل و ما شابه ذلك على الحجامة فغير مسلم
لأمرين :
الأول :
أن الفطر بالحجامة أمر تعبدي محض لا يعقل معناه على التفصيل ، وما كان كذلك
فإنه لا يجري فيه القياس .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبوداود
وغيره من حديث ثوبانرضي الله عنه وصححه جمع من الأئمة منهم الإمام أحمد
والبخاري .
فمما يؤكد أن العلة تعبدية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحجامة
مفطرة للحاجم أيضاً ، والدم لا يدخل جوف الحاجم ، ولذلك فإن من يرى التبرع
بالدم مفطراً ، فإنه يجعل الفطر خاص بالمتبرع دون الطبيب أو الممرض الذي يقوم
بسحب الدم .
وما ذكره بعض أهل العلم في علة الفطر في الحجامة على الحاجم والمحجوم ، فهي
محاولة لمعرفة الحكمة في ذلك ولا نستطيع الجزم بما ذكروه لعدم الدليل .
ثانياً :
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " . منسوخ
بحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم
وهو صائم " أخرجه البخاري . والدليل
على كونه ناسخاً حديثان:
الأول :
حديث أنس رضي الله عنه قال : " أول ما كرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي
طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان
، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس
يحتجم وهو صائم ". أخرجه الدارقطني ، وصححه ، وأقره البيهقي في السنن الكبرى
، وصححه النووي .
الثاني :
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " رخص رسول الله في القبلة للصائم ،
والحجامة " أخرجه الطبراني والدارقطني ، وقال ابن حزم إسناده صحيح ، وصححه من
المعاصرين الألباني رحمه الله . والرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة .
والقاعدة
أنه إذا وجد حديثان متعارضان ، ولم يمكن الجمع بينهما ،لم يجز إعمال قواعد
الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا إذا جهل التاريخ ، وهنا قد علمنا المتقدم
من المتأخر فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم ، كيف وحديثا أنس وأبي سعيد صريحان
في نسخ الفطر بالحجامة .
ثانياً من الأمور غير المفطرة : كثير
من الوسائل العلاجية ، وقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي بجدة في
دورته العاشرة 1418هـ ، وأنقل هنا أكثر هذا القرار :
" قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي ما
يلي :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من
المفطرات :
1.
قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف
، إذا اجتنب ما نفذ إلى الحلق .
2.
الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية ، وغيرها إذا
اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3.
ما يدخل المهبل من تحاميل ، أو غسول ، أو منظار .
4.
إدخال المنظار ، أو اللولب ، ونحوهما إلى الرحم .
5.
ما يدخل الإحليل ؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر و الأنثى ، أو منظار ، أو دواء
، أو محلول لغسل المثانة .
6.
حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ،
إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7.
المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى
الحلق .
8.
غاز الأكسجين .
9.
غازات التخدير ، ما لم يعط المريضُ سوائلَ مغذية .
10.
ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات ، والمراهم واللصقات العلاجية
الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية .
11.
إدخال (أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصويرِ ، أو علاجِ أوعية القلب ، أ, غيره
من الأعضاء .
12.
إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء ، أو إجراء عملية جراحية عليها
.
13.
أخذ عينات من الكبد ، أو غيره من الأعضاء ، مالم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
14.
دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
ثانياً :
ينبغي على الطبيب المسلم نصحُ المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد
الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق " . انتهى قرار المجمع الفقهي .
والدليل على أن ما سبق ليس من المفطرات ؛ أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في
معناهما ، والأصل عدم كون الشيء مفطراً إلا إذا دل الدليل على اعتباره مفطراً
، ولا دليل .
ويلحق بما مضى وبنفس التعليل : مداواة الجروح الغائرة ، والكحل في العين .
ثالثاً : من أفطر ناسياً أو مخطئاً .
ومثال الخطأ : من ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس قد
غربت فأكل وهي لم تغرب . فصومه صحيح و لا شيء عليه ، على القول الراجح من
أقوال العلماء .
والدليل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : " أفطرنا
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ، ثم طلعت الشمس " أخرجه
البخاري .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه حقيقةُ الصيام : أنه لم ينقل أنهم
قضوا ذلك اليوم ، ولو أمروا بقضائه لنقل إلينا كما نقل فطرهم .
ودليل الناسي حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق
عليه .
رابعاً : مسائل القضاء .
المسألة الأولى : الحائض والنفساء يجب
عليهما القضاء بالإجماع .
فعن معاذة ـ رحمها الله ـ قالت : " سألت عائشة رضي الله عنها فقلتُ : ما بال
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟.
قالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل .
فقالت : " كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة "أخرجه
الشيخان ، واللفظ لمسلم .
وقولها : ( أحرورية أنت ؟ ) فإنه يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج حروري ، نسبة
إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أولُ اجتماع للخوارج للخروج على علي
بها ، فاشتهروا بالنسبة لها .( انظر الفتح 1/502) .
المسألة الثانية :
المسافر يجوز له الفطر ، ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام ، ويجب عليه القضاء
إذا أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ،
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ( البقرة158).
وعن حمزةَ بنِ عمروٍ الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : " يا رسول الله أجد بي
قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن
، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " أخرجه مسلم .
المسألة الثالثة :
من أفطر في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ، وعليه التوبة إلى الله ،
ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح ، وهو قول الجمهور .
والدليل على وجوب القضاء عليه حديثان
:
الأول :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض " حديث صحيح
أخرجه أبو داود وغيره كما سبق.
الثاني :
قوله عليه الصلاة والسلام للمجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة : "
وصم يوماً واستغفر الله " وفي رواية : " وصم يوماً مكانه " أخرجه مالك
وأبوداود وابن ماجة وقال النووي في المجموع : " إسناد رواية أبي داود هذه جيد
" . وصححه من المعاصرين أحمد شاكر في شرح المسند (6/147) والألباني في
الإرواء (4/90) .رحمهم الله.
المسألة الرابعة :
إذا كان الفطر متعمَّداً بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة ، وهي عتق رقبة ،
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ؛ لحديث
أبي هريرة في الصحيحين .
المسألة الخامسة :
المريض الذي يشق عليه الصوم بسبب المرض ، أو يحتاج إلى تناول علاج ، فإنه
يجوز له أن يفطر ، بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما
أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ".
ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما فإنهما
مريضتان ، أو في حكم المريض .
المسألة السادسة في مسائل القضاء :
العاجز عن الصيام .
والعجز نوعان :
النوع الأول :
عجز ( مؤقت ) وهو الذي يرجى ذهابه ؛ كمن أصيب بمرض لا يستطيع معه الصيام لمدة
سنتين أو ثلاث أو أربع ، وبعد ذلك يغلب على الظن شفاؤه و قدرته على الصيام ،
وهذا الذي يسميه الفقهاء بالمريض الذي يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصيام ،
ويجب عليه القضاء إذا شُفي من مرضه ، ولو كان ذلك بعد عدة سنوات ، فحكمه حكم
المريض .
النوع الثاني :
عجز ( دائم ) وهو الذي لا يرجى ذهابه ؛ كالشيخ الكبير ، والمريض مرضاً لا
يرجى برؤه كمن يحتاج إلى أخذ علاج في النهار طيلة حياته . فهذا لا يجب عليه
الصوم ، ولا يستطيع القضاء ، وإنما يجب عليه : أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً .
فعن عطاء ـ رحمه الله ـ سمع ابن عباس رضي الله عنما يقرأ : " وعلى الذين
يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين " قال ابن عباس : " ليست بمنسوخة ، هو الشيخ
الكبير ، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً
" أخرجه البخاري .
المسألة السابعة :
الشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز : لا يجب
عليهما الصيام ، ولا الإطعام لسقوط التكليف .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين وبعد .
فالصوم : هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ؛ قال
تعالى : "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
ثم أتموا الصيام إلى الليل"( البقرة187).
ومفطرات الصوم أنواع :
الأول : الأكل والشرب . وهو مفطر
بالإجماع للآية السابقة .
المفطر الثاني :
ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أولاً :
القطرة في الأنف ، التي يعلم أنها تصل إلى الحلق ، وهو مأخوذ من قوله صلى
الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " أخرجه مسلم من
حديث لقيط رضي الله عنه. فالحديث يفهم أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف
فقد أفطر .
ثانياً :
مما يدخل في معنى الأكل والشرب : المحاليل المغذية التي تصل إلى المعدة من
طريق الفم ، أو الأنف . و كذا الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب
فتأخذ حكمها ، ولذلك فإن المريض يبقى على المغذي أياماً دون أكل أو شرب ، و
لا يشعر بجوع أو عطش .
ثالثاً :
مما يدخل في معنى الأكل والشرب : حَقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية
الأكل والشرب فكان بمعناه .
المفطر الثالث :
الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .
المفطر الرابع :
إنزال المني باختياره بمباشرة ، أو استمناء ، ونحو ذلك ؛ لأنه من الشهوة التي
أمر الصائم أن يدعها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " يدع شهوته ، وأكله ، وشربه من أجلي " متفق عليه
.
ومعلوم أن من فعل ذل ذلك عامداً مختاراً ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها .
أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع .
المفطر الخامس :
التقيؤ عمداً ، وهو مفطر بالإجماع .
أما من غلبه القيء فلا شيء عليه . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن
استقاء فليقض " أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح ، وقال النووي في المجموع
(6/315) : " وإسناد أبي داود وغيرِه فيه إسناد الصحيح ". وصححه ابن تيمية في
حقيقة الصيام .
المفطر السادس :
خروج دم الحيض والنفاس ، وهو مفطر بالإجماع .
فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار فقد أفطرت ، أو كانت
حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر لم ينعقد صومها ، و تكون مفطرة ذلك اليوم .
ومن الأدلة على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم
تصل ولم تصم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
ثانياً : أمور ليست من المفطرات . وهي :
أولاً : خروج الدم من الإنسان ، غير
دم الحيض والنفاس ؛ كالتبرع بالدم ، أو إخراجه للتحليل ، أو خروجِه بسبب رعاف
أو جرح ، أو بالاستحاضة ، وغيرِ ذلك .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ،
ولا دليل .
أما قياس خروج الدم للتبرع والتحليل و ما شابه ذلك على الحجامة فغير مسلم
لأمرين :
الأول :
أن الفطر بالحجامة أمر تعبدي محض لا يعقل معناه على التفصيل ، وما كان كذلك
فإنه لا يجري فيه القياس .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبوداود
وغيره من حديث ثوبانرضي الله عنه وصححه جمع من الأئمة منهم الإمام أحمد
والبخاري .
فمما يؤكد أن العلة تعبدية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحجامة
مفطرة للحاجم أيضاً ، والدم لا يدخل جوف الحاجم ، ولذلك فإن من يرى التبرع
بالدم مفطراً ، فإنه يجعل الفطر خاص بالمتبرع دون الطبيب أو الممرض الذي يقوم
بسحب الدم .
وما ذكره بعض أهل العلم في علة الفطر في الحجامة على الحاجم والمحجوم ، فهي
محاولة لمعرفة الحكمة في ذلك ولا نستطيع الجزم بما ذكروه لعدم الدليل .
ثانياً :
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " . منسوخ
بحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم
وهو صائم " أخرجه البخاري . والدليل
على كونه ناسخاً حديثان:
الأول :
حديث أنس رضي الله عنه قال : " أول ما كرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي
طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان
، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس
يحتجم وهو صائم ". أخرجه الدارقطني ، وصححه ، وأقره البيهقي في السنن الكبرى
، وصححه النووي .
الثاني :
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " رخص رسول الله في القبلة للصائم ،
والحجامة " أخرجه الطبراني والدارقطني ، وقال ابن حزم إسناده صحيح ، وصححه من
المعاصرين الألباني رحمه الله . والرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة .
والقاعدة
أنه إذا وجد حديثان متعارضان ، ولم يمكن الجمع بينهما ،لم يجز إعمال قواعد
الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا إذا جهل التاريخ ، وهنا قد علمنا المتقدم
من المتأخر فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم ، كيف وحديثا أنس وأبي سعيد صريحان
في نسخ الفطر بالحجامة .
ثانياً من الأمور غير المفطرة : كثير
من الوسائل العلاجية ، وقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي بجدة في
دورته العاشرة 1418هـ ، وأنقل هنا أكثر هذا القرار :
" قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي ما
يلي :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من
المفطرات :
1.
قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف
، إذا اجتنب ما نفذ إلى الحلق .
2.
الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية ، وغيرها إذا
اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3.
ما يدخل المهبل من تحاميل ، أو غسول ، أو منظار .
4.
إدخال المنظار ، أو اللولب ، ونحوهما إلى الرحم .
5.
ما يدخل الإحليل ؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر و الأنثى ، أو منظار ، أو دواء
، أو محلول لغسل المثانة .
6.
حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ،
إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7.
المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى
الحلق .
8.
غاز الأكسجين .
9.
غازات التخدير ، ما لم يعط المريضُ سوائلَ مغذية .
10.
ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات ، والمراهم واللصقات العلاجية
الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية .
11.
إدخال (أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصويرِ ، أو علاجِ أوعية القلب ، أ, غيره
من الأعضاء .
12.
إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء ، أو إجراء عملية جراحية عليها
.
13.
أخذ عينات من الكبد ، أو غيره من الأعضاء ، مالم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
14.
دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
ثانياً :
ينبغي على الطبيب المسلم نصحُ المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد
الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق " . انتهى قرار المجمع الفقهي .
والدليل على أن ما سبق ليس من المفطرات ؛ أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في
معناهما ، والأصل عدم كون الشيء مفطراً إلا إذا دل الدليل على اعتباره مفطراً
، ولا دليل .
ويلحق بما مضى وبنفس التعليل : مداواة الجروح الغائرة ، والكحل في العين .
ثالثاً : من أفطر ناسياً أو مخطئاً .
ومثال الخطأ : من ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس قد
غربت فأكل وهي لم تغرب . فصومه صحيح و لا شيء عليه ، على القول الراجح من
أقوال العلماء .
والدليل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : " أفطرنا
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ، ثم طلعت الشمس " أخرجه
البخاري .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه حقيقةُ الصيام : أنه لم ينقل أنهم
قضوا ذلك اليوم ، ولو أمروا بقضائه لنقل إلينا كما نقل فطرهم .
ودليل الناسي حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق
عليه .
رابعاً : مسائل القضاء .
المسألة الأولى : الحائض والنفساء يجب
عليهما القضاء بالإجماع .
فعن معاذة ـ رحمها الله ـ قالت : " سألت عائشة رضي الله عنها فقلتُ : ما بال
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟.
قالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل .
فقالت : " كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة "أخرجه
الشيخان ، واللفظ لمسلم .
وقولها : ( أحرورية أنت ؟ ) فإنه يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج حروري ، نسبة
إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أولُ اجتماع للخوارج للخروج على علي
بها ، فاشتهروا بالنسبة لها .( انظر الفتح 1/502) .
المسألة الثانية :
المسافر يجوز له الفطر ، ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام ، ويجب عليه القضاء
إذا أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ،
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ( البقرة158).
وعن حمزةَ بنِ عمروٍ الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : " يا رسول الله أجد بي
قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن
، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " أخرجه مسلم .
المسألة الثالثة :
من أفطر في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ، وعليه التوبة إلى الله ،
ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح ، وهو قول الجمهور .
والدليل على وجوب القضاء عليه حديثان
:
الأول :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض " حديث صحيح
أخرجه أبو داود وغيره كما سبق.
الثاني :
قوله عليه الصلاة والسلام للمجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة : "
وصم يوماً واستغفر الله " وفي رواية : " وصم يوماً مكانه " أخرجه مالك
وأبوداود وابن ماجة وقال النووي في المجموع : " إسناد رواية أبي داود هذه جيد
" . وصححه من المعاصرين أحمد شاكر في شرح المسند (6/147) والألباني في
الإرواء (4/90) .رحمهم الله.
المسألة الرابعة :
إذا كان الفطر متعمَّداً بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة ، وهي عتق رقبة ،
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ؛ لحديث
أبي هريرة في الصحيحين .
المسألة الخامسة :
المريض الذي يشق عليه الصوم بسبب المرض ، أو يحتاج إلى تناول علاج ، فإنه
يجوز له أن يفطر ، بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما
أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ".
ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما فإنهما
مريضتان ، أو في حكم المريض .
المسألة السادسة في مسائل القضاء :
العاجز عن الصيام .
والعجز نوعان :
النوع الأول :
عجز ( مؤقت ) وهو الذي يرجى ذهابه ؛ كمن أصيب بمرض لا يستطيع معه الصيام لمدة
سنتين أو ثلاث أو أربع ، وبعد ذلك يغلب على الظن شفاؤه و قدرته على الصيام ،
وهذا الذي يسميه الفقهاء بالمريض الذي يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصيام ،
ويجب عليه القضاء إذا شُفي من مرضه ، ولو كان ذلك بعد عدة سنوات ، فحكمه حكم
المريض .
النوع الثاني :
عجز ( دائم ) وهو الذي لا يرجى ذهابه ؛ كالشيخ الكبير ، والمريض مرضاً لا
يرجى برؤه كمن يحتاج إلى أخذ علاج في النهار طيلة حياته . فهذا لا يجب عليه
الصوم ، ولا يستطيع القضاء ، وإنما يجب عليه : أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً .
فعن عطاء ـ رحمه الله ـ سمع ابن عباس رضي الله عنما يقرأ : " وعلى الذين
يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين " قال ابن عباس : " ليست بمنسوخة ، هو الشيخ
الكبير ، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً
" أخرجه البخاري .
المسألة السابعة :
الشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز : لا يجب
عليهما الصيام ، ولا الإطعام لسقوط التكليف .