أحكام
بالحبس والغرامة لمتهمين بممارسة أفعال فاضحة في الحدائق العامة وعقود
نجوم الفن في حفلات الأثرياء واحدة منها تخص شقيق الرئيس السادات
التاريخ هو ذاكرة الشعوب.. ومتحف حكاياتها، وقراءته تمنحنا صورة
فوتوغرافية لما كانت عليه حياتنا، ولحسن حظ المصريين أن تاريخم القديم
محفور علي الجدران أما تاريخهم الحديث فتحفظه وثائق تباع علي الأرصفة
واحيانا يتم العثور عليها بين أكوام تاجر روبابيكيا أو زبال، الصدفة وحدها
هي من ألقت بمجموعة مهمة من هذه الوثائق في طريق الباحث السكندري "رأفت
الخمساوي"، وثائق يزيد عمر بعضها علي مائتي عام، لكنها تعكس حالة التقدم
والتحضر التي كانت عليها الدولة المصرية ومواطنوها في ذاك الوقت، وثائق
لعتق العبيد، وأحكام قضائية.. وأخري لمعاملات بنكية إضافة إلي تراخيص
سيارات وعقارات وتصاريح ممارسة الدعارة، هي وثائق تثبت أن الدولة المصرية
التي كانت تجيز ممارسة الدعارة في بيوت محددة.. لم تكن تتهاون في توقيع
عقوبة الحبس والغرامة ضد من يمارسون أي فعل فاضح في الأماكن العامة، بل ولم
تكن تتهاون في حماية حقوق الحيوانات التي تجر عربات الأثرياء، كانت دولة
تسع قوانينها كل من يعيشون علي ارضها.. تحفظ حقوقهم وتضمن التزامهم
بالقانون الذي يساوي بينهم.
هي وثائق ربما تصيبك بالحيرة لما وصل إليه حال مصر.. بل سوف تكتشف أن أقصي
ما يطالب به ثوار 25 يناير هو مجرد محاولة بالرجوع بهذا الوطن إلي جزء مما
كان ينعم به من رقي وتحضر وضعت في مكانة متقدمة بين دول المنطقة والعالم.
رأفت الخمساوي الباحث السكندري في الوثائق والأرشيفات أشهر جامعي الوثائق
النادرة كان علي موعد منذ نحو الشهر مع مفاجأة ساقها القدر في طريقه، حيث
عثر علي مجموعة من الوثائق النادرة الأصلية- حسب قوله- ويعود تاريخها إلي
أعوام 1800 وحتي منتصف ستينيات القرن الماضي ، وترصد تاريخ مصر والحالة
التي كانت عليها الحكومات في تلك الفترات وهيبة الجهاز الإداري للدولة
واحترام المصريين له، فالوثائق دائما لا تكذب حتي وإن اختلفنا علي
"التاريخ" والأشخاص والحكام .. وربما الشيء الوحيد المؤلم أن يكون تاريخ
مصر ووثائقها لدي باعة الروبابكيا وعلي الأرصفة، يباع بالكيلو والطن لشركات
الورق لإعادة تدويره .. أو يباع للأجانب من المستشرقين والأثرياء العرب
بمبالغ طائلة إذا أدرك البائع قيمتها.
عثر الباحث السكندري علي ثلاثة سندات طلب علي ديوان المالية المصرية-
الحكومة المصرية- في عهد الخديو إسماعيل وتحمل أختاما لبنوك أجنبية
وتوقيعات وأختامًا لنظار المالية المصرية واشتراها من تاجر "روبابكيا"
بصحبة مجموعة كتب ومجلات قديمة ونادرة أيضا بينها أعداد من مجلات: آخرساعة-
الاثنين-الدنيا- البعكوكة- المصور.
السندات مكتوبة بخط اليد وجاء فيه باللغتين العربية والفرنسية: يدفع في 9
شهر يناير 1867 الموافق 2 شهر طوبة 1583 ثلاثة وثمانين نقدية في خزينة
المالية عملة تعريفة خالية من النحاس إلي وتحت إذن "البنك الكريدي
النمساوي" وذلك في مطلوبه المعلي طلب بقلم شبارسات المالية، فقط وقدره مائة
وخمسون ألف قرش عبارة عن ثلاثمائة كيس لا غير.. وخاتم وتوقيع ناظر المالية
وقتها ويدعي محمد حافظ.
من ضمن الوثائق النادرة أيضا التي عثر عليها الباحث السكندري "الخمساوي"..
رخص عتق العبيد الذي كان موجودا في مصر حتي بدايات القرن الماضي وتحمل
عبارة "تذكرة حرية" وكانت تستخرج من قلم عتق الرقيق بمديريات الأمن
بالمحافظات كما تدل إحدها وتحمل عبارة (اورنيك بوليس نمرة 84)- القسيمة
نمرة 21- وخاتمًا بيضاويًا به عبارة قلم عتق الرقيق بمحافظة الإسكندرية-
منها "تذكرة حرية" باسم جميلة السودانية وتبلغ 28 سنة واسم من كانت بطرفه
ويدعي حسن أقف حلمي من كريت- والبلد السودان- وأوصافها .. مربوعة القامة
سوداء اللون والعين مفتوحة ومبطونة الأنف بارزة الشفتين ليس بوجهها علامات،
وتحررت هذه التذكرة لاعتماد حريتها كسائر الأحرار وأن يكون لها ولاية أمر
نفسها كيف شاءت بلا قيد ولا شرط - تحريرا في 21 أغسطس 1893، وتذكرة حرية
أخري باسم نفيسة السودانية أيضا 30 سنة صادرة من قلم عتق الرقيق بمحافظة
الإسكندرية وكانت بطرف دولت البرنس حسن باشا- البلد السودان- جاء في
أوصافها .. المذكورة متوسطة الطول بلون أسود فاتح وليس بوجهها علامات،
بتاريخ 20 مارس 1888 ميلادية.
من ضمن ما عثر عليه الباحث السكندري أيضا ما كان يعرف بـ"تذكرة البدلية"
للخروج من الجيش أو عدم أداء الخدمة العسكرية أو "الجهادية" مقابل دفع مبلغ
مالي، ويعود تاريخها إلي عام 1893 باسم .. محمد بن موسي (ضمان) محمد
إسماعيل من ناحية تمي الأمديد بمديرية الدقهلية الموضح أوصافه وسنه أعلاه،
كان مستخدمًا بالعسكرية في 11 جي الأمادة، جي أورطه 4، إمداده برتبة نفسه،
وقدم بدلية في سنة 1893 وصار إخلاء سبيله من بعد ما دفع المقدار المبين من
النقود بخزينة الجهادية ليسعي علي معاشه وقد تحررت له هذه التذكرة لأجل عدم
دخوله بالعسكرية ولا بالإمدادية مرة أخري.
ومن "تذكرة البدلية" إلي عدد آخر من الرخص منها واحدة علي ورق مقوي بحجم
كف اليد وعليها صورة لعربة تجرها الخيول لأحد الباشاوات بالإضافة إلي خاتم
وعبارة .. تذكرة رخصة من الدايرة البلدية سنة 1877 عن عربية ذات أربع عجلات
بحصانين تعلق حضرة محمد باشا جبر ماضي، لتمر بشوارع المحروسة بمصر
القديمة، ورخصة أخري لممارسة حرفة عربة ركوب بنمرة 458 باسم محمد علي
هنداوي من رعايا الحكومة المحلية، المولود في العطارين بالإسكندرية لأجل
تشغيل عربة الركوب رقم 458 "حنطور" لمدة سنة واحدة وأوصافها عربة جوز
لأربعة أشخاص تحريرا في الإسكندرية بتاريخ 7 مارس 1901، وأخري بتاريخ 26
يوليو 1897 باسم أبو المجد السيد ومقيم بكوم الشقافة بمينا البصل
بالإسكندرية لتشغيل عربة أنفار بدون حصان، وأخري بنمرة 419 ويعود تاريخها
إلي 1935/11/27 باسم محمد دسوقي العجيلي من شبين الكوم بمحافظة المنوفية
وأوصاف العربة .. عربة نقل خضراء اللون ذات عجلتين وصالحة للاستعمال يجرها
حمار أبيض قوي- وهو ما يكشف عن اهتمام النظام الإداري بالتفاصيل كوسيلة
لحفظ حقوق البشر والحيوانات وتأكيد للطابع الحضاري للدولة.
وعثر الباحث السكندري أيضا علي عدد من رخص ممارسة الدعارة التي كانت شائعة
في مصر خلال بدايات القرن الماضي قبل أن تصدر الحكومة المصرية قرارًا
بمنعها في ثلاثينيات القرن الماضي .. وكانت تصدر التراخيص من وزارة
الداخلية - "نظارة الداخلية" وقتها- قسم الضبط بالأورنيك نمرة 130- وكان
عبارة عن طلب يقدم لتراخيص جميع المهن- من أصل وعدة صور، يحصل صاحب الترخيص
علي إحداها.
ومن ضمن التراخيص التي عثر عليها .. إعلان بوصول إخطار عن محل عمومي "بيت
عاهرات" ترغب في إدارة منزل عاهرات بملك ورثة حنا بداوس في شياخة علي عزوز
الكائن بمنطقة كوم بكير بقسم اللبان وأرفقت مع الإخطار شهادة صحية، وطلب
رخصة ممارسة دعارة آخر معطي إلي ماريا روبرتو التابعة لدولة أيطاليا بتاريخ
22 مارس 1906، والمقيمة في الإسكندرية وصناعتها صاحبة منزل عاهرات، وعثر
الباحث السكندري علي رخصة بناء منزل تعود لعام 1882 صادرة عن رخصة مجلس
تنظيم إسكندرية لأحد المواطنين لبناء منزل في أرض يملكها بكوم الدكة وبها
جميع حدود الأرض، ومحدد بها حدود الجيران وبها إلزام علي مالك الأرض بعدم
التعدي علي هذه الحدود وإلا تمت إزالة منزله- ومحدد بها أيضا عدد الشبابيك
والأبواب المطلة علي الشارع وألا يضع مواد البناء في حدود جيرانه لعدم
إزعاجهم، وألا يخالف القواعد الهندسية والمعمارية وألا يبدأ البناء قبل
موافقة مهندس التنظيم أحمد أفندي البقلي علي الرخصة وختمها، وأخذ إقراره
وتعهد عليه في سندات مدموغة، ويتصدق علي تعهد المالك المذكور عن الإدارة
وعلي تعهد معلم التشغيل من شيخ حرفته وطائفته باقتداره وائتمانه علي وفاء
ما تعهد به.
كما عثر علي عدد من وثائق عقود الزواج قديما وكانت تسمي "قيد عقد نكاح" ثم
"قيد وثيقة عقد زواج" تعود إلي الفترة من أعوام 1800 إلي أعوام 1891
ميلادية.
وثائق أخري "الأحكام القضائية" يعود تاريخها إلي عام 1940 من محكمة جنايات
الإسكندرية- لا نعرف كيف خرجت من أرشيف وزارة العدل- وتحمل أعلاها عبارة..
باسم صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر "محكمة جنايات الإسكندرية" كان من
بينها دعوي طريفة جاء فيها: بالجلسة المشكلة علنا بحضور صاحب العزة عثمان
نجيب بك وحضور حضرات صاحبي العزة أحمد محمد حسن بك وعبداللطيف غربال بك
المستشارين بمحكمة استئناف مصر ومحمود القاضي رفعت وكيل النيابة أصدرت
الحكم الآتي في قضية النيابة العمومية رقم 43 قسم محرم بك سنة 1940 ورقم 73
سنة 1940 كلي ضد أم علي علي عامر عمرها 40 سنة وصناعتها متزوجة وسكنها
غربال وفهمي خلة بخيت عمره 25 سنة وصناعته جنايني وسكنه غربال.
"حيث تبين للمحكمة من الاطلاع علي تحقيق هذه الحادثة ومن شهادة الشاهد
الذي سمعته المحكمة واعتراف المتهم الثاني بها، أن المتهمة الأولي تقابلت
في ليلة 6 نوفمبر 1939 الموافق 13 رمضان 1358 بالمتهم الثاني في الحدائق
العامة الواقعة بدائرة قسم محرم بك، فعرضت عليه أن يأتي بها الفحشاء لقاء
قرش واحد فراق له ذلك وانتحيا جانبا ناحية الحدائق، وما كاد ينتهي من فعله
حتي تفقد نقوده فلم يجدها فأمسك بالمتهمة الأولي ناسبا إليها السرقة، فحضر
علي ذلك أحد البوليس السري فقص عليه المتهم الثاني القصة وقالت له الأولي
إنه زني بها ولم يدفع لها الأجر المتفق عليه فاقتادهما إلي قسم البوليس،
وقد أنكرت المتهمة الأولي السرقة وكانت هناك إحدي النساء فكلفها البوليس
بتفتيشها فلم تجد شيئا في ملابسها، وفجأة سقط من مكان حساس بجسدها المنديل
الذي وصفه المتهم وبداخله تسعة عشر قرشا ونصف هي التي قال المتهم الثاني إن
المنديل يحتويها".
ويضيف الحكم، ولهذه الأسباب وبعد الاطلاع علي المواد المذكورة حكمت
المحكمة حضوريا بمعاقبة أم علي علي عامر بالحبس مع الشغل لمدة سنتين
وبمعاقبة فهمي خلة بخيت بغرامة مائتي قرش صاغ.
أما أطرف ما عثر عليه الباحث السكندري فكان عددا كبيرا من عقود (كونتراتو)
إقامة حفلات غنائية وأفراح خلال الستينيات وإيصالات حصول الفنانين
والمطربين علي أجورهم تخص مكتب سعيد الموجي متعهد الحفلات الشهير في تلك
الفترة، وكان مكتبه بشارع محمد صبري أبو علم بالقاهرة وكان العقد من سبعة
بنود تعكس مدي احترام الناس وقتها للفنانين وقيمة الفن نفسه واعتزاز الموجي
بمهنته كمتعهد حفلات.
أما أطرف هذه العقود فكان بين الموجي عصمت السادات والد النائب البرلماني
الشهير طلعت السادات وشقيق الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان وقتها عضوا
في مجلس قيادة الثورة، حيث يعود تاريخ العقد إلي 1964/11/2 لتنظيم حفل
غنائي يوم 1964/11/4 وهو خلاف جميع العقود التي عثر عليها الباحث السكندري،
حيث لم يذكر فيه مكان الحفل الذي أقيم مقابل 150 جنيها وشاركت فيه المطربة
شريفة فاضل والمطرب ماهر العطار والمنولوجست أحمد غانم وعدد من الراقصات.