الموقعأطلق كُتَّابُ السيرِ على العامِ العاشر من البعثة، عام الحزن، لوفاة عم النبي " أبو طالب" ، وزوج النبي " [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" في شهر واحد تقريبًا .
ماتا - وهما السندان القويان – ورسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – في أمس الحاجة إليهما .
أما أبو طالب فكان بمثابة "السند الخارجي " لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – يدفع عنه أذى الوثنيين، وظلم الظالمين . ولعل في وفاته حكمة عظيمها، مفادها أن الدعوة الإسلامية منصورة بالله ثم بمنهجها، ويأبى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أن يقال :إن الدعوة انتصرت بعشيرة محمد أو بعمه . إنما هي دعوة اليتيم الذي خذله بعض أعمامه ومات عنه بعضهم، وتأخر عنه بعضهم.
سبق وفضل:
أما [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]فهي أول من آمنت به، وهي حصنه الداخلي، وركنه الشديد، وكانت بمثابة الوزير الصادق له، والرفيق الساعي له، تخفف عنه، وتواسيه ، وتسعى في قضاء حوائجه، وكانت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– قد أكرمت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بالعمل الكريم في تجارتها، وتزوجته – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنه – رغم فقره، وأسكنته بيتها حيث لا بيت له يملكه ، وكانت تُنفق على رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]من مالها حين تفَرغ لأمر الرسالة، وآمنت به حين كفر الناس، وصدّقته حين كذبه الناس، وآوته حين طرده الناس .
فإذا دخل بيته إليها – بعد يوم شاق في الدعوة والتلبيغ – سرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه . ولقد ضُرب بها المثل في طهارتها، وضُرب بها المثل في حكمتها وضُرب بها المثل في حصافتها.
أما طهارتها، فقد كان لقبها في الجاهلية " الطاهرة "
والمرأة التي تحمل هذا اللقب في مجتمع جاهلي أكلته الفواحش، وجازت فيه الدعارة، واشتهرت فيه البغايا .. لهي امرأة بلغت من العفة والنقاء مبلغًا رفيعًا؛ أهْلَهَا لهذا الاصطفاء الرباني، أن اختارها [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]زوجةً لخاتم الأنبياء .
ولله در العفة، بَلَّغَت أهلها الدرجات العلى !
وأما حكمتها فهي صاحبة قولة تُعد من أبلغ ما دونه العرب في الحكمة، تلك التي قالت فيها - مخففة من خشية رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]على نفسه يوم نزلت " اقرأ " –
" كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "[ البخاري : 4572]، ثم انطلقت تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان - ، لتَحُلَ لزوجها اللغز الذي أُشكل عليه في أمر النبوة. ولم تكن بالمرأة السلبية التي لا تبالي بشؤون زوجها .
وأما حصافتها .. فهي ممن كمل من النساء.. وهي التي أثبتت لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أن ما يأتيه ليس بشيطان ولا جِن، فقد شرعت تمتحن برهان الوحي لتثّبت قلب زوجها، فقالت : "أَيْ ابْنَ عَمّ أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ .
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي ، قَالَتْ : قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى ؛ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَتْ : فَتُحَوّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى.
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ : فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي .
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
فلما فَتَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ يَا ابْنَ عَمّ اُثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ " [ ابن هشام : 1/،238]
فقد علمتْ – برجاحة عقلها – أن الملائكة تستحي، وأن الشياطين تستحي، فتحيلت هذه الحيلة، وفثبتت وبشرت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - . وخير الناس للناس من يَفطن لحاجاتهم، ومَن فاته العقلُ والفطنة فرَأْسُ مالِه الجَهْلُ.
ولم يزعزع إيمانُها، ولم تتزحزح ثقتُها بزوجها يوم تسببت الدعوة الإسلامية – بزعم البعض – في تطليق بناتها .
" وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا : إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ . فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ : لا وَاَللّهِ، إنّي لا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ... ثُمّ مَشَوْا دار أبي لهب، فأجابهم، وطُلقت رقية وأم كلثوم " [ ابن هشام 1/652 ( بتصرف)].
ولم يصدر منها ولا من البنات لفظة تشائم أو تبرم، أن ابتلاهم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بفض هاتين الزيجتين، ولم تقل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كما تقول نساء بعض الدعاة : لقد جلبت لنا دعوتك خراب البيوت، وطلاق البنات ! ما ذنبهن ألا يفرحن ويُحْمَلن إلا أزواجهن؟!.....
لم تقل هذا . بل صبرت، ورأت أن حكمة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]اقتضت، أن يبدلنهن بزوج أكرم وأخلق وأغنى وأجمل مما كُنَّ يطمحن إليه . فحالهن مع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كحال الطفل الذي سلبه أبوه الطعام الخبيث ومنحه الطعام الطيب الغريض.
الصبر على الحصار :
ولما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مع رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – راضية محتسبة، ولم يصدر منها كلمة عتاب لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم -، ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير وتخرج حبيسة مع رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة.. تكابد الظمأ والخشونة، وهي السيد الشريفة.. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الروسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي ..كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة .
ولما انقشعت ظلمة الحصار، وتبدد كابوس السجن، خرجت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– وقد أعياها المرض، وبراها الجوع، وهدَّمت بنيانها سنوات الضنك، فخرجت من سجن الناس إلى رحاب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الرحيب، بعدما بشرّها رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - ببيت في الجنة من لؤلؤ – وبيوت الجنة قصور -، تنعم في قصرها بغاية الهدوء والنعيم، وقد نزل الأمين جبريل – خصيصًا – ذات يوم حاملاً رسالة عاجلة وسلامًا مُخَصَصًا من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]رب العالمين إلى إلى السيد الجليلة . فما أكرمها وأكرم منزلتها
فعن أبي هريرة – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنه – قال :
أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا – وَمِنِّي -، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ [ انظر : البخاري: 3536]
وهكذا أرسل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لها التحية والبشارة، محمولتنا من أمين السماء" جبريل"، مدفوعتان إلى أمين الأرض " محمد "، ليقوم بدوره بتليغ التحية الكريمة والبشارة الكريمة، من كريم عن كريم عن كريم إلى سيدة نساء العالمين " [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" .
وتوفيت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنها- في رمضان من العام العاشر من البعثة، ودفنت بمدافن مكة عند جبل الحجون، عن خمس وستين سنة [انظر : الذهبي : سير أعلام النبلاء 2/112].
فماتت ولم تر في الدنيا لقاء ما قدمته، فلم تفرح بغنيمة، ولم تر دولة المسلمين، بيد أن الأجر العظيم الذي لا ينقطع فضله قد أخره [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لها، فليس بمقدور ملوك الأرض جميعًا أن يوفوا لها أجر صنيعها، إنما الجدير بذلك ربها الذي خلقها وهو ملك والملوك . فجزاك [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنا يا أماه خيرًا .
وكان رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]يحن إليها، ويذكرها دومًا، فلا يزال يذكر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]حتى تغار إحدى زوجاته، وكان يكرم صويحبات خديجة، فإذا ذبح أو طبخ أهدى إليهن، إكرامًا لها. وهي في قبرها !
وإذا ذكرَها ذاكرُها في حضرة رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – إذا به – صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – يرق لها، ويذكرها، ويستغفر لها، ويذكر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]حتى يأتيه عارضٌ يقطع عليه حديثة، وضجرة – كضجرة عائشة – تحوْلُ بغيرتها بين رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وبين الحديث عن خديجة، بيد أن العكس يحصل، فإذا غارت عائشة ونالت من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كما تنال المرأة من ضرتها فقالت: " عجوزٌ ! قد أبدلك [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بخير منها "، زادت الطينة بلة، فيزيد رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]في ذكرها ويكثر من الحديث عن فضلها أكثر وأكثر ، ويستمر الحال حتى تأتيه عادية أو صارفة تقطع الحديث عن فضل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!
وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛ إذ بعثت زينب بنت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - في فداء أبي العاص بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لخديجة، كانت أَدخلتها بها على أبي العاص .
وجيء بالمال والقلادة إلى رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - ، لإطلاق أبي العاص، فلما وقعت عينا رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – على قلادة خديجة، رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه - :
" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . ففعلوا [ ابن هشام 1/652 ( بتصرف ) ]
لقد أثارت قلادة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]في نفس رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – الذكريات، فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة، فحرك القلب الرحيم، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة، تلك المرأة التي حار رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – في فضلها .
رق لها . ولما لا ؟ فهي قلادة لامست يومًا نَفسَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]التي أعطته كل شيء نفسها وجهدها ومالها وبيتها، وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء .
ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين، بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب، فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه . وأشفقوا عليه . وشرع يستنزل فيهم الكرم، ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها . . ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح، يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال : " إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " .
يا أم القاسم ! رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنك !
أصبحت مَعلمةَ العفة لبنات المسلمين، ومَعلمةَ الوفاء لزوجات المسلمين، ومَعلَمة الصبر لداعيات المسلمين ، بل أنت سيدة الحكمة لحكماء المسلمين .
فعيشوا – إخواني وأخواتي - في ظلال سيرة أُمنا بين العفة والوفاء والصبر والحكمة .
***
وأما أحوج الدعوة الإسلامية إلى أمثال [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]! فنحن في أمس الحاجة إلى "خديجات " ينفقن على الدعوة، ويبذلن للدعوة، ويصبرن في سبيل الله، ويسكبن الإيمان والثقة والفرح في قلوب إزواجهن سكبًا. ويبَلِغْنَ دعوة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]إلى السَّانح والبَارح والنَّاطح والقعيد . فإلى هذا المعين ، معين أم المؤمنين، فارتشفن، يا فتيات المسلمين . وإياكن، و السُّفوليةَ الخارجة، والمَثالب الفاضحة، والتبرج المحرم، والعُري الـمُجرَّم، والخضوع بالقول والتغنج، والتساهل مع الرجال والتهتك .. إياكن والكَذِب المُبرِّح، والخُلْفَ المُصَرّح، والغيبة والنميمة، وإضاعة الوقت والمال، على الكماليات والتفاهات .. إياكن والانشغال بوسائل الإعلام، من مسلسلات وأفلام – تُركية وغير تُركية ! - تحض على الفُحش والرذيلة، والجَهالة المُفْرطة، والرِّكاكة المُسْتَخِفّة، والزنا والخَنا ، والسطحية والسذاجة، والميوعة والخلاعة.
ولا تتأثرن – أبدًا – بأي امرأة متبرجة، تلك التي تتعرى للعيون الجائعة، كالبقلة الحمقاء، الذاوية في أرض نشَّاشة أو النابتة في بِركةٍ من بِرك الصرف الصحي .. لا تعجبن بها، فالشيطان يجملها في عين الرجل ليُفتن، ويزينها في عين المرأة لتفسد، هي حسنة في عين الشيطان وحسنة في عين الخبلان، وحسنة عند الذئب البشري والعقربان.. والقَرَنْبَى في عين أمِّها حسنة !
بل أنتِ. أنتِ – أيتها المؤمنة - جميلة الجميلات ومليحة الحسناوات!
ماتا - وهما السندان القويان – ورسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – في أمس الحاجة إليهما .
أما أبو طالب فكان بمثابة "السند الخارجي " لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – يدفع عنه أذى الوثنيين، وظلم الظالمين . ولعل في وفاته حكمة عظيمها، مفادها أن الدعوة الإسلامية منصورة بالله ثم بمنهجها، ويأبى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أن يقال :إن الدعوة انتصرت بعشيرة محمد أو بعمه . إنما هي دعوة اليتيم الذي خذله بعض أعمامه ومات عنه بعضهم، وتأخر عنه بعضهم.
سبق وفضل:
أما [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]فهي أول من آمنت به، وهي حصنه الداخلي، وركنه الشديد، وكانت بمثابة الوزير الصادق له، والرفيق الساعي له، تخفف عنه، وتواسيه ، وتسعى في قضاء حوائجه، وكانت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– قد أكرمت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بالعمل الكريم في تجارتها، وتزوجته – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنه – رغم فقره، وأسكنته بيتها حيث لا بيت له يملكه ، وكانت تُنفق على رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]من مالها حين تفَرغ لأمر الرسالة، وآمنت به حين كفر الناس، وصدّقته حين كذبه الناس، وآوته حين طرده الناس .
فإذا دخل بيته إليها – بعد يوم شاق في الدعوة والتلبيغ – سرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه . ولقد ضُرب بها المثل في طهارتها، وضُرب بها المثل في حكمتها وضُرب بها المثل في حصافتها.
***
الطُهر والعفة:أما طهارتها، فقد كان لقبها في الجاهلية " الطاهرة "
والمرأة التي تحمل هذا اللقب في مجتمع جاهلي أكلته الفواحش، وجازت فيه الدعارة، واشتهرت فيه البغايا .. لهي امرأة بلغت من العفة والنقاء مبلغًا رفيعًا؛ أهْلَهَا لهذا الاصطفاء الرباني، أن اختارها [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]زوجةً لخاتم الأنبياء .
ولله در العفة، بَلَّغَت أهلها الدرجات العلى !
***
الحكمة :وأما حكمتها فهي صاحبة قولة تُعد من أبلغ ما دونه العرب في الحكمة، تلك التي قالت فيها - مخففة من خشية رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]على نفسه يوم نزلت " اقرأ " –
" كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "[ البخاري : 4572]، ثم انطلقت تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان - ، لتَحُلَ لزوجها اللغز الذي أُشكل عليه في أمر النبوة. ولم تكن بالمرأة السلبية التي لا تبالي بشؤون زوجها .
***
الفطنة : وأما حصافتها .. فهي ممن كمل من النساء.. وهي التي أثبتت لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أن ما يأتيه ليس بشيطان ولا جِن، فقد شرعت تمتحن برهان الوحي لتثّبت قلب زوجها، فقالت : "أَيْ ابْنَ عَمّ أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ .
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي ، قَالَتْ : قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى ؛ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَتْ : فَتُحَوّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى.
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ : فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي .
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
فلما فَتَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ يَا ابْنَ عَمّ اُثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ " [ ابن هشام : 1/،238]
فقد علمتْ – برجاحة عقلها – أن الملائكة تستحي، وأن الشياطين تستحي، فتحيلت هذه الحيلة، وفثبتت وبشرت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - . وخير الناس للناس من يَفطن لحاجاتهم، ومَن فاته العقلُ والفطنة فرَأْسُ مالِه الجَهْلُ.
***
الصبر على تطليق بناتها :ولم يزعزع إيمانُها، ولم تتزحزح ثقتُها بزوجها يوم تسببت الدعوة الإسلامية – بزعم البعض – في تطليق بناتها .
" وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا : إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ . فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ : لا وَاَللّهِ، إنّي لا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ... ثُمّ مَشَوْا دار أبي لهب، فأجابهم، وطُلقت رقية وأم كلثوم " [ ابن هشام 1/652 ( بتصرف)].
ولم يصدر منها ولا من البنات لفظة تشائم أو تبرم، أن ابتلاهم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بفض هاتين الزيجتين، ولم تقل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كما تقول نساء بعض الدعاة : لقد جلبت لنا دعوتك خراب البيوت، وطلاق البنات ! ما ذنبهن ألا يفرحن ويُحْمَلن إلا أزواجهن؟!.....
لم تقل هذا . بل صبرت، ورأت أن حكمة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]اقتضت، أن يبدلنهن بزوج أكرم وأخلق وأغنى وأجمل مما كُنَّ يطمحن إليه . فحالهن مع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كحال الطفل الذي سلبه أبوه الطعام الخبيث ومنحه الطعام الطيب الغريض.
الصبر على الحصار :
ولما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مع رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – راضية محتسبة، ولم يصدر منها كلمة عتاب لرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم -، ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير وتخرج حبيسة مع رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة.. تكابد الظمأ والخشونة، وهي السيد الشريفة.. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الروسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي ..كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة .
***
سلام وجَنَّة ورضوانولما انقشعت ظلمة الحصار، وتبدد كابوس السجن، خرجت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– وقد أعياها المرض، وبراها الجوع، وهدَّمت بنيانها سنوات الضنك، فخرجت من سجن الناس إلى رحاب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الرحيب، بعدما بشرّها رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - ببيت في الجنة من لؤلؤ – وبيوت الجنة قصور -، تنعم في قصرها بغاية الهدوء والنعيم، وقد نزل الأمين جبريل – خصيصًا – ذات يوم حاملاً رسالة عاجلة وسلامًا مُخَصَصًا من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]رب العالمين إلى إلى السيد الجليلة . فما أكرمها وأكرم منزلتها
فعن أبي هريرة – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنه – قال :
أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا – وَمِنِّي -، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ [ انظر : البخاري: 3536]
وهكذا أرسل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لها التحية والبشارة، محمولتنا من أمين السماء" جبريل"، مدفوعتان إلى أمين الأرض " محمد "، ليقوم بدوره بتليغ التحية الكريمة والبشارة الكريمة، من كريم عن كريم عن كريم إلى سيدة نساء العالمين " [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" .
وتوفيت – رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنها- في رمضان من العام العاشر من البعثة، ودفنت بمدافن مكة عند جبل الحجون، عن خمس وستين سنة [انظر : الذهبي : سير أعلام النبلاء 2/112].
فماتت ولم تر في الدنيا لقاء ما قدمته، فلم تفرح بغنيمة، ولم تر دولة المسلمين، بيد أن الأجر العظيم الذي لا ينقطع فضله قد أخره [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لها، فليس بمقدور ملوك الأرض جميعًا أن يوفوا لها أجر صنيعها، إنما الجدير بذلك ربها الذي خلقها وهو ملك والملوك . فجزاك [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنا يا أماه خيرًا .
***
وفاء بلا حدودوكان رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]يحن إليها، ويذكرها دومًا، فلا يزال يذكر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]حتى تغار إحدى زوجاته، وكان يكرم صويحبات خديجة، فإذا ذبح أو طبخ أهدى إليهن، إكرامًا لها. وهي في قبرها !
وإذا ذكرَها ذاكرُها في حضرة رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – إذا به – صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – يرق لها، ويذكرها، ويستغفر لها، ويذكر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]حتى يأتيه عارضٌ يقطع عليه حديثة، وضجرة – كضجرة عائشة – تحوْلُ بغيرتها بين رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وبين الحديث عن خديجة، بيد أن العكس يحصل، فإذا غارت عائشة ونالت من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كما تنال المرأة من ضرتها فقالت: " عجوزٌ ! قد أبدلك [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بخير منها "، زادت الطينة بلة، فيزيد رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]في ذكرها ويكثر من الحديث عن فضلها أكثر وأكثر ، ويستمر الحال حتى تأتيه عادية أو صارفة تقطع الحديث عن فضل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!
***
ويوم بدر [ في رمضان 2 هـ ]، جاءت كل عشيرة تفتدي أسرها من نُيوب المسلمين، وكان أبو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ - زوج زينب – بين الأسارى، وكان الإسلام قد فرق بينه وبين بنت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم -، وأرادت زينب – الوفية بنت الوفية – أن تنقذ زوجها من الأسر، علها تَرد له يدًا من أياديه البيضاء، أو يشرح [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]صدره للإسلام . وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛ إذ بعثت زينب بنت رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - في فداء أبي العاص بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لخديجة، كانت أَدخلتها بها على أبي العاص .
وجيء بالمال والقلادة إلى رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم - ، لإطلاق أبي العاص، فلما وقعت عينا رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – على قلادة خديجة، رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه - :
" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . ففعلوا [ ابن هشام 1/652 ( بتصرف ) ]
لقد أثارت قلادة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]في نفس رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – الذكريات، فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة، فحرك القلب الرحيم، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة، تلك المرأة التي حار رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – في فضلها .
رق لها . ولما لا ؟ فهي قلادة لامست يومًا نَفسَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]التي أعطته كل شيء نفسها وجهدها ومالها وبيتها، وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء .
ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين، بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب، فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه . وأشفقوا عليه . وشرع يستنزل فيهم الكرم، ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها . . ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح، يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال : " إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " .
***
وفي يوم فتح مكة[ رمضان 8هـ]، لما أراد أن يبيت، لم يذهب إلى بيت من بيوت أصحابه، وهو لو شاء لصادر أرقى بيت في مكة، ولكنه ضرب خيمته إلى جوار قبر خديجة، وكأنما لما فتح مكة؛ فتحت هي الأخرى قلبه، فنكئت فيه ذكريات [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الغائرةَ، وكأنما جاء رسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]– صلى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه وسلم – إليها على قدم وساق، قد اختلطت في قبله عَبرة الفراق وفرحة الفتح، ولسان حال المقام يقول : صدقت يا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: " لا يخزيك [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أبدً " . ***
توصيات:يا أم القاسم ! رضي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عنك !
أصبحت مَعلمةَ العفة لبنات المسلمين، ومَعلمةَ الوفاء لزوجات المسلمين، ومَعلَمة الصبر لداعيات المسلمين ، بل أنت سيدة الحكمة لحكماء المسلمين .
فعيشوا – إخواني وأخواتي - في ظلال سيرة أُمنا بين العفة والوفاء والصبر والحكمة .
***
وأما أحوج الدعوة الإسلامية إلى أمثال [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]! فنحن في أمس الحاجة إلى "خديجات " ينفقن على الدعوة، ويبذلن للدعوة، ويصبرن في سبيل الله، ويسكبن الإيمان والثقة والفرح في قلوب إزواجهن سكبًا. ويبَلِغْنَ دعوة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]إلى السَّانح والبَارح والنَّاطح والقعيد . فإلى هذا المعين ، معين أم المؤمنين، فارتشفن، يا فتيات المسلمين . وإياكن، و السُّفوليةَ الخارجة، والمَثالب الفاضحة، والتبرج المحرم، والعُري الـمُجرَّم، والخضوع بالقول والتغنج، والتساهل مع الرجال والتهتك .. إياكن والكَذِب المُبرِّح، والخُلْفَ المُصَرّح، والغيبة والنميمة، وإضاعة الوقت والمال، على الكماليات والتفاهات .. إياكن والانشغال بوسائل الإعلام، من مسلسلات وأفلام – تُركية وغير تُركية ! - تحض على الفُحش والرذيلة، والجَهالة المُفْرطة، والرِّكاكة المُسْتَخِفّة، والزنا والخَنا ، والسطحية والسذاجة، والميوعة والخلاعة.
ولا تتأثرن – أبدًا – بأي امرأة متبرجة، تلك التي تتعرى للعيون الجائعة، كالبقلة الحمقاء، الذاوية في أرض نشَّاشة أو النابتة في بِركةٍ من بِرك الصرف الصحي .. لا تعجبن بها، فالشيطان يجملها في عين الرجل ليُفتن، ويزينها في عين المرأة لتفسد، هي حسنة في عين الشيطان وحسنة في عين الخبلان، وحسنة عند الذئب البشري والعقربان.. والقَرَنْبَى في عين أمِّها حسنة !
بل أنتِ. أنتِ – أيتها المؤمنة - جميلة الجميلات ومليحة الحسناوات!
عنبة وبس  |
